
[HR]
عبدالحميد الغامدي معلمي بالصف السادس
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد :
قبل الحديث عن المربي الفاضل و الأستاذ القدير عبدالحميد جمعان الغامدي حفظه الله وأمده بالصحة والعافية ، لابد من الحديث عن مدرسة الحكمان أولا ، وعن الأجواء الاجتماعية و الإنسانية بمدرسة الحكمان.
عرفتها قبل أن ألتحق بالصف الأول الابتدائي ، وكان يصطحبني والدي رحمه الله في مروره على المدرسة للسؤال عن أخويَّ عبدالمحسن واحمد ، وللأمانة لم أكن أدخل معه للمدرسة لسبب بسيط وهو أنني في الغالب لا ألبس حذاء ( يعني حفيان ) بالرغم من وجود حذاء لدي إلا أن لبسه لا يريحني ، فقد كانت أقدامي أشبه (بطوبه) لا يمكن أن تستقر تحتها نعل ، وبالطبع في وقتها لم أكن أعرف سر تجافي الحذاء عن قدمي إلا أنني أتذكر جيداً كم كانت الوالدة حفظها الله تعاني من قساوة قدمي عندما ( تنقش الشوك ) منها فقد استحالت مواطئ القدم إلى ما يشبه لحاء الشجر .
ومرت الأيام وكان إخواني يخوفونني من المدرسة وما سألقى فيها من الأستاذ (أحمد) معلم الصف الرابع - على حد علمي- لما له من بطش بالطلاب وما معه من مطارق الرمان (و أعتذر مقدما عن عدم كتابة بعض الأسماء كاملة و أحياناً سأضطر للإشارة إليها بحرف واحد حفاظاً على مشاعركم ومشاعر أصحابها كما أن هذا الحديث لا ينقص من قدر المدرسة التي خرجتني ومن قبلي وبعدي من رجال القرية الذين سطروا أروع الأمثلة في خدمة دينهم و مجتمعهم بل هو حديث عن جانب واحد من حياتنا في تلك المدرسة فلا يعمم ).
ومرت الأيام ودخلنا مدرسة الحكمان وتمنيت من كل قلبي يوم نجحت ونقلت للصف الثاني الابتدائي أنني لم أنجح وأن أكون بقيت بالصف الأول كما بقي زميلي (س)بالصف الأول ، قولوا لي بربكم ما فائدة النجاح والانتقال للصف الثاني في نظر طفل صغير إذا لم يكن معه في الصف الجديد معلمه و أستاذه الشيخ عبدالله عبدالرحيم.
يا اللـااااااااااـه اسم له وقع في قلبي إلى هذه الساعة وأنا متأكد من أن وصفي لمشاعري سيخفى على كثيرين ممن لم يحظ بالقرب من العَلَم والأستاذ الأب والمربي الحنون عبدالله عبدالرحيم ، ، الذي كان بكل ما تعنيه الكلمة مربيا من طراز فريد ، لقد حفظنا معه ما تيسر من القرآن بطريقة التعليم بالترفيه ولم أعرف هذه الطريق حتى في كلية التربية يوم درسنا فيها ولكن على رأس العمل وبمجرد ما سمعت عن هذه الطريقة تذكرت الأستاذ عبدالله والترفيه الذي كان يوفره لنا من خلال حصص القرآن والقراءة ومن أوجه الترفيه التي نحظى بها الجولة المتكررة لمزرعة العم سعيد بن أحمد عليه من الله شئآبيب الرحمة ذلك الرجل الذي له من الجميل والفضل على طلاب مدرسة الحكمان ما يعرفونه قبل غيرهم فقد كان فاتحاً قلبه قبل مزرعته المليئة بأنواع الثمار للطلاب في تكامل بينه وبين المدرسة وخاصة الأستاذ عبدالله منقطع النظير فبعد أن ننهي الدرس ونحن في لهفة لليوسف فندي يترك لنا الأستاذ المجال للقطف من ثمره و نعود إلى الفصل بطاناً بحمد الله وإن نسيت فلا أنسى ( بسكوت بوميزان ) الذي كان يدور به العم سعيد على الفصول ويوزعه في (حثله) على جميع الطلاب بلا استثناء لقد كانت ولا تزال لحظة دخوله علينا للصف من أمتع اللحظات ولعلمكم فلو وزع أحدنا اليوم على طلاب المدرسة المجاورة له من أفخم أنواع الجاتوه أو الحلوى فلن تصل فرحتهم لما كان يغمرنا من الفرحة والحبور بمقدم العم سعيد وهو رافع طرف ثوبه لما نحن فيه من الجدب وقلة العناية بالأطفال و أما اليوم فالناس في نعمة عظيمة ويهتمون بأبنائهم بشكل منقطع النظير مما يجعل الحسنة في الأطفال تلك الأيام مضاعفة بلا شك.
وبدت الأيام تتوالى و ما حُدِثتُ به من قبل عن المدرسة صار بعد فراق الأستاذ عبدالله و الانتقال للصف الثاني الابتدائي يمكن أن نرى بوادره فبعد الجو الجميل الذي عشناه بالصف الأول جاء وقت الجد أو قل إن شئت (الجلد) انتقل الصف بأكمله بطبيعة الحال باتجاه الإدارة قليلاً وأصبحنا نرى شجرة الرمان التي يرقب أغصانها المعلمون والطلاب على حد سواء مع الفارق بين النظرات فهم يدعون الله أن يبارك فيها ويعجل باخضرارها في حين عامة من بالمدرسة الطلاب طبعاً يدعون الله أن يجفف عروقها ويصرف شرها لكن الواقع أنها كانت في اخضرار دائم وهكذا كل شيء يدعو عليه الطلاب يبارَك فيه وهذه حكمة ربانية تخفى علينا فلم يمر عام إلا والطلاب يدعون على مدرستهم أن تهدم أو تحرق حتى أيام حرب صدام كان الدعاء بأن تنزل صواريخ اسكود عليها لكن بنيانها كل يوم في عمار وهذه نصيحة لإخواني وأبنائي الطلاب والطالبات أن يدعو لأنفسهم ولا ينشغلوا بالدعاء على المدارس بتاتاً فلن يزيد ذلك الدعاء مدرستهم إلا قوة وصلابة.
نعود للبيئة الإنسانية في مدرستي بعد انقطاع دام حوالي ثلاثة إلى أربعة أعوام تقريبا وبعد العودة مما كان يسمى سابقا باليمن الشمالي في إعارة للتدريس مع الوالد رجعت للدراسة بالصف السادس كان عددنا 12 طالبا وهو عدد كبير مقارنة بأعداد الطلاب في نفس المدرسة اليوم ومنهم عبدالله احمد و عبدالله فيصل ومساعد فيصل وحسين سعيد و آخرون
كانت المدرسة أشبه بوحدة عسكرية فيها الأوامر والجلد المبرّح فيها التصفيق (التلطيش) وقائمة طويلة من إجراءات محاكم التفتيش ومن أهم المظاهر البارزة الحرية المطلقة للمعلم فلا مدير ولا غيره يستطيع أن يمنع المعلم من ضرب من شاء متى شاء أو حتى رفسه فهذا حق مشروع لا يفكر أحد حتى مجرد تفكير أن يناقش المعلم في شيء من ذلك.
لقد حضرت كما حضر غيري من طلاب عام 1400 مشهداً من مشاهد الإهانة والاعتداء على إنسانية طالب وكرامته في أسوأ صورة يمكن تخيلها، وأسردها لكم لتحمدوا الله تعالى على تشديد الوزارة في منع الضرب في المدارس:
جاء الخبر لنا نحن طلاب الصف السادس أن الأستاذ ( ص ) يناديكم للحضور للصف الخامس، وهرعنا على الفور فمن ذا الذي يتأخر عن ندائه فضلاً عن عدم الحضور ، وبعد استطلاع للأمر عرفنا أننا حضرنا لنشهد واقعة معاقبة اثنين من طلاب الصف الخامس بالرغم من عدم معرفتنا للخطأ التي ارتكبه الطلاب ، وهذا من الغرائب فما فائدة حضورنا إذا لم نعرف سبب العقاب وبعد اكتمال العدد بدأ الأستاذ في وضع قواعد عامة لابد أن يسير عليها اللقاء :
- لا من شاف ولا من دري , وهي خاصة بالحضور. وفي خاطركم لو أحد شاف أو دري فما الجديد.
شروط (اللعبة) بين الطالبين فقد كانت العملية معاقبة للطالب (ح) والطالب (م) .
1- على الطالب (ح) أن تضع يديه خلف ظهره و زميله (م) يقوم بصفعه كف على وجهه .
2- يضع (م) يديه خلف ظهره ومن ثم يقوم زميله (ح) بالانتقام منه بصفعه كف على وجهه .
هذه فكرة (اللعبة).
أعلن (الحكم) عن الشخص الذي سيبدأ وهو (م) والجميع في صمت مطبق لا نكاد نصدق ما تراه أعيننا
صفع الطالب زميله بعد تردد ظهر على وجهه وحذر شديد ومع التهديد والوعيد الذي كان يطلقه (الحكم) انطلقت أول شرارة و كانت ضعيفة من غير قناعة وكانت إرضاء (للحكم) و بحنكة وخبرة العريضة (الحكم) استطاع بتعليق بسيط قبل أن يرد الطالب على زميلة استطاع أن يحرك غيظه على زميلة فقال للأول تضرب زميلك (ح) على وجهه الآن تشوف كف الرجال الذي يوقفك عند حدك عشان تعرف أن كفك الضعيف ما عاد ينفعك وبالفعل قام الطالب (ح) بجمع قواه و ضرب (م) كفاً لن ينساه طول عمره وهكذا عاد الأستاذ إلى تذكير (م) بأن الكفوف الضعيفة لم تعد تنفع وكيف كان وقع الكف على وجهه وهل ستخفف كفك على هذه المرة وهو لم يخفف الكف عنك و يا للحماسة التي دخلت له و القوة التي بدأ يجمعها (م) كي يضرب ضربة لا يقوى بعدها زميله على الرد وبالفعل لقد أبكى زميله (ح) ونسي المسكين أن الدور سيعود عليه وهكذا بدت الدموع بالنزول من عينيهما من الحرقة والألم و ما الحل لا مفر من سيل الكفوف وزادت وتيرتها قوة وغيظاً وبدأ الضرب الجد والبكاء والدموع اختلطت بغيرها وصار يسمع العويل من خارج الصف فهل ترى توقف الأستاذ عن التعذيب و اكتفى بما حصل لا و ألف لا بل لازال يذكي جذوة الحماس لديهما حتى تراجعنا خطوة إلى الوراء من هول المنظر ومن الرعب الذي سرى فينا حتى غادرنا الصف من شدة الهلع الذي حل بنا خشية أن يصيبنا ما أصابهم والكفوف لا تزال تنهمر أننا لم نعلم ماذا فعلا حتى يعاقبهما ولم نعلم إلى هذه الساعة
أخواني هذا المشهد الذي عشناه حقيقة و رأيناه بأم أعيننا سيحاسب المعلم عليه بلا شك و سنقف جميعاً كل من كان بذلك الصف ليرى كيف ينتقم الله للمظلومين ممن ظلمهم
في ظل تلك الأساليب الشنيعة وغيرها مما لم أذكره مخافة السآمة عليكم وقد خرجنا عن صلب الموضوع خرجة لابد منها لإيضاح البيئة التي عشنا فيها وعاشها الأستاذ عبدالحميد وهي بيئة لا تستنكر القسوة والعنف ضد الطلاب
كان الأستاذ عبدالحميد مُعرِضاً عن كل ذلك فلم يحمل بيده العصا ولم يدخل الصف مكشراً في حين كان ذلك السلوك مرتبط ببعض المعلمين لا يكاد ينفك عنه كان لنا كالأب في الحرص والمتابعة وكالأخ في المساعدة والود لقد أعاد علي وعلى زملائي ذكريات الصف الأول لقد طابق سلوك الأستاذ عبدالله و لينه كان مهتما بطلابه وقريباً منهم لقد كان الوحيد من بين العلمين الذي يمكن أن نسأله أو نكلمه في حين كان السؤال لغيره يعني مزيداً من الصراخ والتوبيخ وكنا نسأله دون غيره لعلمنا أنه سيرد علينا بما يسرنا كان (معلما) بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني ومشاعر كل ما جمع المعلمون من صفات حسنة فله منها نصيب
أن كل ما قيل في أول الموضوع هدفه أن أبين فضل الأستاذ عبدالحميد ورحمته حين لم يتعامل مع الطلاب حسب المألوف والسائد بل لقد اختط لنفسه طريقاً خاصاً بعيداً عن ظلم العباد أو التنكيل بهم ولقد كان لهدوء المعلم وحسن خلقه الأثر البالغ على تحصيل الطلاب فقد حققنا في مادته من الدرجات ما لم نحقق عند غيره
و من المواقف الطريفة أننا طلبنا منه أن يدرسنا كل المواد هكذا كل المواد بدون مقدمات أو ضوابط فكان يتبسم ويضحك ولم نكن نعرف سبب ذلك لحداثة أسناننا وقد طلبنا منه ذلك عدة مرات وبإصرار.
ومن أساليبه لتحفيز الطلاب وتشجيعهم أنه كان يدون على دفاترنا عبارات الثناء و التشجيع ويُجري بيننا المسابقات في مادة الخط صحيح أننا تخرجنا من المدرسة وخطوطنا لا تكاد تقرأ لكن على الأقل كنا نحب المادة ومعلمها و نشعر بحسن خلقه وتقديره لنا
و إن سألت عن التبسم فقد كان المعلم الذي لا يرى إلا مبتسما في وجوهنا من بين معلمي المدرسة
كنا بحق نشعر ونحن حوله بالحرية في الحركة والكلام لم يكن شيء يخفف عنا هم الحضور للمدرسة سوى وجوده وحصصه بل كان يوم غيابه يوم كبيس لا نحس فيه بالراحة والهناء ولا يبقى أحد من الطلاب إلا ويسأل عنه ولقد انتهت المراحل الثلاث للدراسة ولم يبق بالذاكرة إلا ثلاثة معلمين فقط وهم:
1- الأستاذ: عبدالله عبدالرحيم الغامدي ------ معلم الصف الأول الذي لا ينسى أبداً.
2- الأستاذ: عبدالحميد جمعان الغامدي ------ معلم الصف السادس صاحب القلب الكبير و الابتسامة الجميلة.
3- الأستاذ: محمد رياض طليمات ------ معلم الصف الثالث ثانوي الذي يعجز القلم عن وصفه.
وسيكون له موضوع مستقل بإذن الله لما له من الأثر الكبير على تدين كثير من الطلاب ممن درس على يديه وهذا معلم من دولة سوريا كان في ثانوية الأطاولة لمن لا يعرفه.
ختاماً أجدها من المناسب أن أرفع أكف الرجاء والضراعة إلى الله عز وجل أن يجزي المعلمين الثلاثة خير الجزاء و أن يخص الأستاذ عبدالحميد بمزيد من العناية ويلبسه لباس الصحة والعافية ويبارك له في أهله وولده وماله إنه خير مسئول
كما أود التأكيد لكل من يقرأ كلامي هذا أنني لم أتمكن من قول ما في نفسي تجاه من كان سبباً لتعليمنا وتشجيعنا و الله ولكن رغبة في ذكر شيء من حسناته والله أسأل أن لا يضيع أجره بمديحنا والسلام كما بدأ يعود
ختاماً تقبلوا تحياتي وتقديري .
خالد جمعان أبوحفاش
مكة المكرمة
الخميس 27/12/1429هـ
www.k1429.com