قرية الحكمان... تلك القرية الحالمة...
من أكبر قرى زهران مساحة إن لم تكن الأكبر .....
يتجاوز عدد سكانها الثلاثة آلاف نسمة. يعيشون داخلها وخارجها...
تعيش في الألفية الثالثة في ظل النمو المتسارع لعجلة التنمية في بلادنا...
ولكنها تعيش واقعاً لا يصل إلى الربع الأخير من القرن الماضي....
هيأ الله لها من يفترض أن يقوم برعايتها أسوة بالقرى الأخرى المجاورة... ولكنه في الواقع اعتبر هذه القرية ابنا عاقا يجب تأديبه... يتحسس (هذا الراعي) مواطن الضعف والمرض فيزيدها ضربا (تحت الحزام)،، يراها تبكي ويسمعها تئن فما يزيده ذلك إلا (مكاء وتصدية)...
لعلكم عرفتم من هو الراعي ومن هم الرعية!!!!
سننطلق في جولة داخل قريتنا الحبيبة ،علنا نتحسس مواطن الضعف فنسعى إلى تقويتها، سننطلق هذه المرة من مدخل القرية الجنوبي الذي أصبح مركزاً للتجارب التي تجريها البلدية.... هذا المدخل الذي عانى الأمرين من تتالي المشروعات الفاشلة فيه...
انطلقت بلدية القرى (دون أن تسم الله) في بناء ثلاثة حصون كانت حلماً لأهالي القرية أن تكون تحفة فنية تزين هذا المدخل المسكين... ولكن لسوء التخطيط وصلت هذه الحصون إلى داخل الخط الأصفر للطريق العام (لعل المهندس الأعمى الذي أشرف على التنفيذ قد ظن أن هناك خطاً أحمر آخر لن يتعداه) فسارعت البلدية إلى إقفال التقاطع (ربما وحتى لا نظلمها) خوفا على أرواح المواطنين.. بالرغم من وجود التقاطعات الخطيرة التي ذهب ضحيتها العديد من الأرواح دون أن تحرك ساكنا...
أصاب المشروع فشل (هندسي) لم ينفع معه غسيل أو زراعة،،، انطلق الأفغان مشمرين عن سواعدهم لتكسير (الحلم) ليتحول إلى حائط استنادي،،فكما يقال:رزق الهبل على ..........
بعد فترة من الزمن بدأت البلدية في توسعة مدخل القرية الجنوبي ليتحول إلى طريق مزدوج لا يتجاوز طوله ال200 متر،، ولعل وجود الإسكان الخيري الذي (يجثم)على أعلى بقعة مطلة على القرية هو ما أجبر البلدية على هذه التوسعة،،، بدأت أعمال التوسعة المباركة في الثلث الأخير من شهر رمضان 1427هـ (ثلث العتق من النار) لعلها أرادت أن تحاكي الحديث الشريف (استغفر الله) و تعتق سيارات أهالي القرية من هذه الــ(200متر) التي أصبحت مليئة (بالبطناج)،،
ولعلي اذكر هنا بأن أعمال توسعة هذا الطريق استمرت أكثر من تسعة أشهر (الزمن اللازم لتشكل الجنين في بطن أمه) وكأن البلدية تقوم بإنشاء جسراً معلقاً وليس مساراً إضافيا لطريق داخلي ،، ،،، بدأ المشروع بسرقة العبارات - من قبل المقاول - من أسفل الوادي لتوفير المصروفات ، ومر المشروع بفترة عصيبة أخرى عندما اكتشف لاحقا مرور كيبل للاتصالات يعيق تركيب العبارة فتم الحفر مرة أخرى وبقي (الجرح) مكشوفا لأكثر من شهرين،، وبدأت أعمال السفلتة والتي استمرت لأكثر من شهرين (مابين رصف ورش للزفت ووضع الطبقة العليا للأسفلت) فولد هذا المشروع الذي يشبه الطفل الذي أصيب بنقص في الأوكسجين أثناء الولادة فأصابته عاهة مستديمة ، ليس هناك أمل في علاجه إلا أن يتغمده الله برحمته،، ولا زال يعاني من العلل المستعصية...
ابتهج الأهالي بالانتهاء من مشروع (الجسر المعلق) ولكن الفرحة لم تدم طويلا حيث أصيب الطريق بهبوط (ليس في الدورة الدموية طبعا) ولكن في المنطقة التي تعلو العبارة....
لم تنس البلدية أن أهالي القرية قد (تكسرت خواطرهم) مع تكسير الحصون وإغلاق التقاطع فقررت أن تهبنا ما يخفف من مصابنا الجلل،، فوضعت هيكلا حديديا يتشح بالسواد ووضعت حوله قاعدة ألبستها (بالقيشاني) قال لي أحدهم أن هذا يسمى مجسما جماليا عبارة عن مزهرية،،، لكنها(أي البلدية) وللأسف لم تضع في المزهرية وردة (ربما نسيت) وربما أحست أن (قرية الحكمان) أخذت نصيبها من ميزانية هذا العام...
بدأ مشروع الإنارة للقرية فاستبشر الأهالي خيرا بأن تصبح القرية ليلا كاللؤلؤة ولكن كما يقال ( يافرحة ماتمت)
بدأ المشروع على مراحل،، وكل مرحلة على مراحل... المرحلة الأولى:إنارة الطريق الرئيسي للقرية الممتد من المدخل الشمالي للقرية وحتى المدخل الجنوبي ،، واستمرت هذه المرحلة ما يقارب العام،، المرحلة الثانية بدأت بعد أكثر من عامين من انتهاء المرحلة الأولى وهي (14 عمود من التقاطع الواقع بجوار بيت سعيد بن جعفر وانتهاء بالسوق...
استمرت مرحلة ال(14عمود) فترة طويلة وكأن الأرض تشق وتخيط بالإبرة...
وغادرت الشركة المنفذة للمشروع إلى غير رجعه تاركة ورائها الحفريات التي تمشي مع الطريق يمنة ويسرة وأحيانا تقسمه بالطول وأخرى بالعرض بدون أن تعيد(الشركة) طبقة الإسفلت إلى ما كانت عليه... وهنا أستغرب الآلية التي استلمت بها البلدية المشروع من المقاول ،، ربما (الحدس) الذي تتمتع به البلدية جعلها تستلم المشروع من المقاول دون أخذ جولة ميدانية،، وللمعلومية فهذا (الحدس) يكذب دائما...أو ربما هي الثقة...أو ربما تكون أمور أخرى نجهلها...
المرحلة الثالثة لمشروع الإنارة وهي إنارة ما تبقى من القرية : لم تبدأ بعد،،، وربما لو بدأت لن تنتهي!!!!!
لنتحدث في (أبو الخدمات)....الإسفلت الذي مضى على سفلتته أكثر من عشرين عاما بمجهودات الأهالي وعلى حسابهم الخاص،، نراه قد شاخ وهرم ،، ملأت وجهه التجاعيد،وانتشرت في أنحاءه التصدعات، ونبشت (بشرته) الأقدام والعربات وعوامل التعرية... وبالرغم من تتالي العمليات التجميلية التي تجرى له بين الفينة والأخرى-من فاعلي الخير طبعا- إلا أن بقايا المطبات قد بدأت واضحة عليه،، أطرافه تآكلت في أماكن كثيرة،، وتقلصت أبعاده في أماكن أخرى وكأن (العثة) قد تسلطت عليه بسبب أعمال الحفريات للمشروع (العظيم) . تكونت الحفر واتسعت أقطارها.. فبعضها يتخذ شكلا بيضاويا وبعضها يتخذ شكلا كرويا مقعرا وبعضها إذا امتلأت بمياه الأمطار تشعر أنك تمر من أمام غدير (الجمل) فلا تجرؤ أن تضع قدمك فيها خوفا أن تبتلعك إن لم تكن ماهرا بالسباحة،،، ولكني لا أجزم بوجود دوامات بحرية فيها لأني لم أسمع أنها ابتلعت أحدا من قبل... في ظل تناسي البلدية وتعاميها وكأنها تعاقب أهالي القرية بسبب مبادرتهم بالسفلتة والاعتداء السافر على حقوقها...
لنحاول الغوص في أعماق القرية ولنتجول في أرجائها...
عندما تمر في طرقات القرية سيلفت نظرك منظرا تفردت به قريتنا وهو براميل القمامة (الأهلية !!! )التي كانت ولفترة من الزمن تحتضن الماء فتحولت في آخر عمرها إلى حاوية للقمامة (أعزكم الله) بعد أن عرف الأهالي أن كاهل البلدية مثقل بالمشاريع الكبيرة والكثيرة للقرى المجاورة ..
سآخذك في استراحة قصيرة لتبدد التعب الذي أصابك جراء الحفر التي (أكلتها) في الطريق لنجلس سويا في الحديقة التي سارعت البلدية إلى إنشائها بجوار المقبرة في (شابح) في مكان أحوج ما نكون إلى وجود مصلى للصلاة على الأموات ومواقف للسيارات بعد أن ظل ولا زال فناء سعيد بن طاهر رحمه الله هو المكان الوحيد للصلاة على الأموات...
قامت البلدية بمسح الأرض ووضعت عدد من (الكتل الحديدية) التي تسمى في قاموسها(ألعاب أطفال) وهي تفتقر إلى أبسط درجات السلامة لفلذات أكبادنا .. وأسمتها بـ(حديقة الحكمان) وصار مشروعا محسوبا على الحكمان...
قامت البلدية (مشكورة) بتسوير عدد من المقابر-ليس كلها- بعد أن وضعت الثقة في غير أهلها وأوكلت هذه المشاريع إلى مقاولين غير مؤهلين ،، وما أثار استغرابي أن هذه (الأسوار) لازالت صامدة في وجه (نسمات الهواء) التي تلطف أجواء القرية بين الفينة والأخرى في ظل بناء مهترئ متصدع جعلت له أساسات شكليه توفيرا للمصروفات وترشيدا للنفقات،وكأن هذا المقاول قد قام بالتسوير بعد أن نذر ذات يوم في لحظة فرح أن يقوم بتسوير مقبرة على حسابه...ولكنه عاد فندم على (صدقته)...
ونحن في وداعك –أخي الحبيب- أبت بعض (الحفر) التي شاخت هي الأخرى إلا أن تودعك وقد أطفأت شمعتها (العاشرة) وربما أكثر والتي تقع بجوار منزل بخيت بن حشيشة في أقصى شمال القرية....
وهنا نتساءل: ألم تضع البلدية تصورا لإعادة سفلتة القرية كالتصورات التي وضعتها لتطوير القرى الأثرية والساحات (التاريخية) في بعض القرى المجاورة؟؟؟
أتعجب كثيرا أن تخطب البلدية ود بعض القرى باعتماد المشاريع المتتالية في ظل وجود مشاريع للبنى التحتية لم توفرها لقريتنا حتى الآن...
وأتعجب كذلك من أن البلدية لا تقوم بواجبها إلا بعد سماع الصراخ والعويل من الأهالي في حين أنه يتوجب عليها أن تتلمس احتياجات الناس دون صراخ أو عويل...
وما يزيد العجب أن البلدية تتجاهل قرية من اكبر قرى المحافظة ولا تبعد عنها سوى بضع مئات من الأمتار،،،
ولكني اعلم أن هناك من سيعطينا حقنا ونصيبنا في هذه المشاريع ،، فلن تبح أصواتنا من كثر الصراخ...
وإلى لقاء آخر قريب ان شاء الله....
علي بن احمد